الكثير من التجار في العالم العربي و الإسلامي ،على الأقل في المناطق التي أعرفها ، يجهلون أو يتجاهلون القاعدة الاقتصادية الشهيرة " البيع بأقل ثمن لتربح أكثر" يعني خفض هوامش ربحك ترتفع كمية البيع لترتفع معها أرباحك " ، واستبدلوها بقاعدة أخرى مناقضة لها تماما " الاحتكار و الغش أساس الربح السريع " ...
هذه القاعدة البديلة حولت الأسواق إلى ميادين و مختبرات لكل أنواع أساليب و طرق الالتفافية للوصول في أسرع وقت ممكن لجيوب الزبائن والتفنن في كيفية الاستيلاء ما بداخلها بسرعة ... وأول نتائجها العكسية ضرب القدرة الشرائية للزبون ، الذي يصبح مقتصدا في بعض المواد و متخليا كليا عن بعضها...
أحسن مثال (لا الحصر) على ذالك ،اللحوم الحمراء المادة التي كانت في الماضي مادة أساسية لكل طبقات المجتمع من فقيرها إلى غنيها لتتحول شيئا فشيئا إلى مادة كمالية نسي الكثير من الناس حتى لونها فما بالك برائحتها ، والمحظوظ من يتناولها "من العيد للعيد". والكثير أصبحت تنطبق عليهم تلك القصة لرجلا "فرح عند موت أبيه لأنه شبع لحما"...
كما هو معروف، هذه المادة هي كأي مواد تجارية أخرى، يعني أسعارها معرضة للارتفاع كما هي معرضة أيضا للانخفاض.لكن منذ أتذكر، (عدة عقود على الأقل)، أسعارها لم تنخفض و لو مرة واحدة، تراها ثابتة لبعض الوقت لترتفع فجأة، وهكذا الصعود بلا نزول...على الأقل في مدى علمي .
رغم أن أهل المعرفة ورواد الأسواق يؤكدون أن في الكثير من الأحيان أثمان الماشية في الأسواق تنخفض إلى ما دون نصف ،من غير أن يكون لها صدى عند الجزارين ،وعلى كل واحد التخيل هوامش الربح من خلال ذالك. وعند تسألهم عن سبب ذالك يجيبونك بأجوبة لا يستطيع فك رموزها حتى من اخترعوا "الشفرة"...
على حسب قاعدة "هامش أقل ربح أكثر" ، على هؤلاء التجار تخيل كم يخسرون وهم يظنون أنهم رابحون. فإذا كانت طبقات واسعة من المجتمع تستغني من الاقتراب من لهيب تلك اللحوم أو القليل منهم يقتربون منها إلا في حالات استثنائية وبكميات محددة و قليلة جدا، عليهم تخيل العكس...
فعلى أساس هذه القاعدة ، من كان ينتظر "من العيد للعيد" يصبح يزوروهم ،على الأقل، مرة شهريا ،ومن كان يفعل ذالك شهريا يصبح زبونا أسبوعيا ليتحول إلى زبون يوميا ،ومن كان يكتفي بكمية محددة يرفعها إلى أضعافها...وهكذا.
وهكذا تدور العجلة بسرعة أكبر وتدور معها هوامش الربح للتاجر و من وراءه سلسلة كاملة من الناقل إلى عمال الذبح و السلخ وغير ذالك من السلسلة ... وهذا كله بفضل ارتفاع القدرة الشرائية للزبون .
لكن يبقى هذا الكلام في واد والجشع وحب الربح السهل و السريع ، رغم أنه مؤقت، في واد أخر... "ولا تعمى الأفكار و إنما تعمى القناعة عند التجار" ...
حمدان العربي
31.03.2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق