آخر المقالات

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

اللحوم الحمراء ؟ ...ما لونها !


"كلما تذكرت اللحوم الحمراء ،سألت عن لونها وعن رائحتها" ، هكذا كان يمازحني أحد الأصدقاء،رحمه الله ،  كلما التقيت به ...
 أما أنا كلما تذكرت تلك اللحوم ، تذكرت قصص أمي ، عن جدي ،رحمهما الله ، الذي كان جزارا عندما كان الزبون "ملكا "...
من تلك القصص ، أن جدي كان ينتقل من سوق إلى سوق وهو حامل على كتفيه تلك اللحوم ، نادرا ما كانت تباع ، عارضا إياها على المتسوقين بأي ثمن لكي لا يعود بها إلى البيت. وفي بعض الأحيان كان يبيعها بالتقسيط ، إن وجد من يشتريها...
تمنيت ، لو أن هناك تبادل في الزمن ،لتلك اللحوم التي غيرت لونها من الأحمر إلى نارا تكوي أيادي من تريد "استباحتها" أو التقرب منها، و الأفواه التي تريد تذوقها ، والجيوب إذا حاولت الاقتراب منها ...
 مادة ترفض النزول أرضا "منخارها" يعلو في السماء و تزداد "احمرارا" و"نارا" لا تحترم حرمة مناسبة دينية أو غير دينية...
وقد اهتمت بالموضوع كثير محاولا فهم "ما وراء هذا التكبر و التجبر" ، متصلا ببعض معارفي التجار في هذا الميدان . فاكتشفت أنها بريئة كل البراءة من هذه التهم ، أنها لحوم حمراء و باقية حمراء و لا تغيير لا في اللون أو الرائحة...
هذه الثروة التي بارك فيها الله ووهبها نعمة لعباده ، ورغم تعداد البشر لا تنضب ، لكن أيادي الإنسان و احتكاره وجشعه هي من تغير الألوان و الروائح ، وتحرم طبقات واسعة من الاستمتاع بهذه النعمة الإلهية...
كل مادة تجارية تعرف ارتفاعا و انخفاضا في الأسعار ،على حسب عدة عوامل منها العرض و الطلب الخ ،  إلا اللحوم الحمراء ، وعلى حسب علمي وذاكرتي وعلى الأقل في المناطق التي أعرفها ، لم تعرف النزول أبدا ، هي إما ثابتة ،في قليل من الأحيان، لترتفع في أغلب الأحيان، وهكذا...
رغم أن الكثير من "أهل العلم " وتجار في هذا الميدان ،يؤكدون أن سعر ، الأغنام والأبقار،وما شابه ذلك ترتفع و تنخفض في الأسواق  ، على حسب الظروف ، بل و يؤكدون أن الانخفاض في بعض المرات يصل إلى نصف، بدون أن ينعكس ذلك عند الجزار...
وقد سألت أحد هؤلاء التجار كيف يحدد هامش ربحه ؟ فسخر مني ،واكتشفت فعلا أنه لا يعرف أصلا " ما معنى الهوامش " ، و بالنسبة له السوق هو من يحدد تلك الهوامش.وبالمعنى المبسط ،يعتبر نفسه "غازيا " وصاحب غزوات ، وكل ما تقع عليه يديه "غنيمة"...
فمثلا ، رأسمال بضاعة  عشرة دنانير ،وإذا وجدها في السوق تباع بمائة دينار ،فهو كذلك ،وبما أن الأسواق يحكمها قانون المضاربة و الاحتكار، فالأمر واضح... 
لكن ما يجهله ذلك التاجر ، تلك القاعدة الشهيرة :" هامش الربح أقل أرباحك أكثر " ،لأن بدراسة تجارية بسيطة و عقلانية يتم الوصول إلى أن الربح التاجر سيزيد كل ما قل الثمن و الاكتفاء بهامش معقول ...
لأن كل ما انخفض   الهامش و أنخفض الثمن ،ستزداد "طوابير" الزبائن و سيزيد معه الطلب و من كان يشترى كمية قليلة في المناسبات ، يصبح يشتريها أسبوعيا أو حتى يوميا ،  ومن كان يكتفي بكمية معينة ، يتم مضاعفاتها ...
و هكذا تدور العجلة و تدور معها أرباح التاجر ماديا وشرعيا،  لكن تبقى هذه اللغة في واد والجشع و الاحتكار في واد أخر، وهما خطان لا يلتقيان إلا " يوم الدين"  ... 






بلقسام حمدان العربي
08.09.2009