آخر المقالات

الجمعة، 14 أغسطس 2009

نبش في ذاكرة : " خائن السوق" ...


"   إذا ربح فلان فسيربح خائن السوق..." ، مثال عربي شعبي عامي عفوي  صالح منذ التنبؤ الافتراضي لتلك السمكة ، التي تنبأت بما يحمله الوافد الجديد إلى هذا الكون إلى يوم يبعث حاملا معه ملفه الشخصي باليد اليمنى أو اليسرى . والمثال يعبر ببساطة و عفوية أن خيانة الأسواق هي المرتبة الأخيرة الذي يمكن أن يصل إليها أي شقي في حياة الدنيا...
و لتعريف ، خائن السوق ليس ذلك اللص البائس الذي يغتنم فرصة زحمة و فوضى الأسواق و محطات النقل ليدس يديه في الجيوب المتسوقين أو الراكبين ، أو غير ذالك...
عسى أن ينظفها من بعض "الدريهمات" والكثير من الأحيان يجدها خاوية أو ينال من الضربات و صيحات المتسوقين أضعاف و أضعاف ما يحصل عليه من جيوب الناس ، و في الكثير من الأحيان يفقد حياته "ويروح في دهس الرجلين وصيحات المتسوقين أو الراكبين " ...
وإنما المثل يقصد الذين يتحكمون عن بعد في جيوب الآخرين بدون أن يدسوا أياديهم فيها و إنما الجيوب نفسها تندس في أيديهم كرها أو طواعية ...هذا المثل ينطبق بقوة على حال أسواقنا أين أصبحت جيوب المتسوقين مفتوحة وكل الأيادي مدسوسة فيها وتعبث في "محتوياتها" وكل الطرق تؤدي إلى تلك الجيوب "المثقوبة" من كثرة الدس و الجذب ...والأسواق بمفهومها الواسع كل المعاملات التجارية التي تتم بين التاجر والمستهلك ابتدءا من سوق بمفهومه التقليدي المتحكم فيه الخضار و البقال...بقيادة "الجزار" وما أدراك ما الجزار ، المتعاملين مباشرة مع بطون الناس متلاعبين بأوتارها مبتكرين أحدث الوسائل لذلك ، من الغش في النوعية مرورا في الاحتكار و "تلهيب" ( من اللهب) الأسعار وتعطيش الأسواق لتعطش الأفواه وتجوع معها البطون وتستنزف معها تلك الجيوب "التعبانة" و المرهقة أصلا ...
وصولا إلى آخر ابتكاراتهم العبث في دقة الميزان تحت قاعدة "التوازن بين السعر والوزن" ، بالمفهوم أن التاجر لا يستطيع رفع السعر لكسب الزبون و لذالك يتم التلاعب في الكمية...
 بالمعنى العامي ( ليعطيها باليمين يأخذ أضعافها باليسار)، مرورا بالتجار الآخرين من الحرفيين و الغير الحرفين ، من "السباك" إلى "النجار" و "الدهان"،  على رأسهم "بناء" صاحب الشهرة في كيفية استنزاف صاحب المنزل "كما و كيفا" ...والغريب في الأمر ، أن هذا الأخير رغم الامتيازات التي يقدمها له صاحب المنزل من أجر مرتفع وكما يحدده هو (بناء) إلى توفير له غذاء خصوصي باللحوم الحمراء أو بيضاء محروم منها ،ربما ، حتى أبنائه ...
 وهو تقليد قسم منه "كرم الضيافة" وإحسان للإنسان يقدم جهدا عضلي في منزله وقسم آخر يدخل في إطار " ملئ الفم لتستحي العين" ، أو أكثر صراحة "رشوة مقننة" لكي ينتزع صاحب  البيت من ذلك "بناء" الإتقان في عمله...
 لكن كل ذلك ،وفي معظم الأحيان، يذهب سدى "لأن من تربى على شيء مات عليه " . ومن لا يستحي حتى ولو تملأ بطنه عسلا وجيوبه ذهبا ...على كل حال هذا المثل الشعبي العفوي برهنت الأيام على صدقه فكثير من هؤلاء الذين نظفوا جيوب و خزائن الناس وغشوهم سرا و علنية وبخسوهم أشياءهم وحقوقهم ، بخسهم و نظفهم الزمان من كل ما حصلوا عليه ...
و وجدوا أنفسهم عند مداخل الأسواق وبالقرب من "مراحيضها النتنة" وعلى حواشي الطرقات و بالقرب من "المزابل العمومية " وفوق وتحت الجسور القديمة و الجديدة وأياديهم ممدودة إلى جيوب الناس ، لكن هذه المرة توسلا واستعطافا من تلك الجيوب التي نهبوها ومزقوها شر التمزيق...

 
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
(الموضوع الأصلي 2008)




(على الهامش) :  قصة السمكة ، وهي قصة تراثية ، ألا وهي عندما خلقت الأرض وقبل أن يبعث الله سيدنا ادم لأعمارها، كان هناك نسرا واحد لا غير يجوب الأجواء و البراري وسمكة تجوب البحار و حدها لا غير...
وفي كل مساء يلتقيان ، السمكة و النسر ، عند أحد  الشواطئ ، وفي إحدى المرات شاهدت السمكة سيدنا ادم عند أول نزوله للأرض فقالت للنسر : "لقد جاء من يأكل رؤوسنا"...
 وقد صدقت السمكة في قولها : أنظر ما فعله الإنسان منذ نزوله إلى الأرض إلى يومنا هذا وكم " أكل من رؤوس " ، لم يترك سمكة في البحار و لا نسرا في الأجواء ولا حتى رأس إنسان مثله على الأرض...








حمدان العربي الإدريسي
(موضوع معدل في :14.08.2009)









ليست هناك تعليقات: