آخر المقالات

السبت، 26 سبتمبر 2009

نبش في ذاكرة : " الطابور" !

الطابور ، مصطلح يؤرقني كثيرا ، أكثر ما يؤلمني ويخدش كبريائي المرور أمام تلك الطوابير التي أصبحت ديكورا أمام المتاجر وما شابها ، لزبائن من المفروض المتاجر وأصحابها أنفسهم يقفون في طوابير خاشعة أمام جيوب هؤلاء الزبائن و ليس العكس.
طوابير تزداد طولا وعرضا في شهر رمضان الكريم ، حتى يتخيل للمرء أننا على أبواب مجاعة أو حرب ضروس ، يتطلب الاستعداد و التخزين كل ما تقع عليه الأيادي.
كلما مر علي مشهد من تلك المشاهد ،سألت نفسي ، كيف يكون الحال لو هناك أزمة حقيقية ، أو كما حكي لنا أجدادنا و أبائنا عن فترات كانوا شهودا على قسوتها ومرارتها .
من تلك القصص التي مازالت ذاكرتي تختزنها ذالك الرجل في "عام الشر" ، على حسب التقويم الشعبي، الذي رضي أن يزوج ابنته في ريعان الطفولة ، لا لشيء إلا مقابل حفنات من الطحين لأولاده الجائعين...رجل لم يجد ما يستر عورة ابنته العروس، سوى معطفا ، لم يبقى منه إلا الاسم ، تركه احد المتحاربين في ساحة الاقتتال... أو قصة جدي (رحمه الله) ، الذي لم يجد يوما سوى رهن سكينه ، هو كل ما يملك ، لإطعام أبنائه الجائعين.
طوابير ، "أتطير" منها و أعتبرها دائما "فال" ومدخل ومقدمة للشر و السنين العجاف . أتذكر عندما كانت كل المواد مدعومة وأسعارها في متناول الجميع، بل تكاد تكون مجانية وبكميات تكفي للجميع حتى و لو جيء بأمثالهم مددا ، رغم ذالك وجدت الطوابير و الطوابير و أيادي وأكتاف محملة بأضعاف وأضعاف إمكانيتها وما يمكن تحتمله البطون ...
كيف للمرء أن يتقبل الوقوف في طابور ساعات قبل فتح المتجر وساعات بعد فتحه،تحت رحمة "دهس الطابور" و "زجر التاجر" ، لا لشيء سوى أن تلك المادة الموجودة عند ذالك المتجر مذاقها خاص... أي مذاق يمكن أن يساوي كرامة وكبرياء الإنسان...

حمدان العربي

ليست هناك تعليقات: